سورة الفجر - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفجر)


        


قوله عزّ وجلّ: {الذين طغوا في البلاد} يعني عاداً وثموداً وفرعون عملوا بالمعاصي، وتجبروا، ثم فسر ذلك الطغيان بقوله: {فأكثروا فيها الفساد} يعني القتل والفساد ضد الصلاح، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر فكذلك الفساد يتناول جميع أقسام الإثم. {فصب عليهم ربك سوط عذاب} يعني لوناً من العذاب صبّه عليهم، وقيل هو تشبيه بما يكون في الدنيا من العذاب بالسوط، وقيل هو إشارة إلى ما خلط لهم من العذاب، لأن أصل السوط خلط الشيء بعضه ببعض؛ وقيل هذا على الاستعارة، لأن السوط غاية العذاب فجرى ذلك لكل نوع منه. وقيل جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية يقول إن عند الله أسواطاً كثيرة، فأخذهم بسوط منها. {إن ربك لبالمرصاد} قال ابن عباس يعني بحيث يرى ويسمع، وقيل عليه طريق العباد، لا يفوته أحد وقيل عليه ممر الناس لأن الرصد والمرصاد الطريق. وقيل ترجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم، وقيل إنه يرصد أعمال بني آدم. والمعنى أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد، كما لا يفوت من المرصاد، وقد قيل أرصد النار على طريقهم حتى تهلكهم.
قوله عزّ وجلّ: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه} أي امتحنه {ربه} أي بالنعمة {فأكرمه} أي بالمال {ونعمه} أي بما يوسع عليه {فيقول ربي أكرمن} أي بما أعطاني من المال والنعمة.


{وأما إذا ما ابتلاه} يعني بالفقر {فقدر عليه} أي فضيق عليه، وقيل قتر. {رزقه} أي وقد أعطاه ما يكفيه. {فيقول ربي أهانن} أي أذلني بالفقر، قيل نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر، وقيل ليس المراد به واحداً بعينه، بل المراد جنس الكافر، وهو الذي تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلته فرد الله تعالى على من ظن أن سعة الرزق إكرام وأن الفقر إهانة فقال تعالى: {كلا} أي ليس الأمر كذلك، أي لم أبتله بالغنى لكرامته، ولم أبتله بالفقر لهوانه، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال، وسعة الرزق وقلته، ولكن الغنى والفقر بتقدير الله جلّ جلاله وحكمته فقد يوسع على الكافر لا لكرامته، ويضيق على المؤمن لا لهوانه، لكن لأمر اقتضته حكمة الله تعالى، وإنما يكرم المرء بطاعته، ويهينه بمعصيته، وقد يوسع على الإنسان من أصناف المال ليختبره، أيشكر أم يكفر، ويضيق عليه ليختبره، أيصبر أم يضجر، ويقلق. {بل لا تكرمون اليتيم} أي لا يعطونه حقه الثابت له في الميراث قال مقاتل: كان قدامة بن مظعون يتيماً في حجر أمية بن خلف، فكان يدفعه عن حقه. {ولا تحضون على طعام المسكين} أي لا يطعمون مسكيناً، ولا يأمرون بإطعامه، وقرئ ولا يحاضون ومعناه، ولا يحض بعضهم بعضاً على ذلك. {وتأكلون التراث} أي الميراث {أكلاً لمّاً} أي شديداً، والمعنى أنه يأكل نصيبه ونصيب غيره، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء، ولا الصبيان، ويأكلون نصيبهم، وقيل الآكل اللم الذي يأكل كل شيء يجده لا يسأل أحلال أم حرام، فيأكل الذي له ولغيره. {وتحبون المال حباً جمّاً} أي كثيراً والمعنى يحبون جمع المال، ويولعون به، وبحبه. {كلا} أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا، من الحرص على جمع المال وحبه. وقيل معناه لا يفعلون ما أمروا به من إكرام اليتيم وغيره من المسلمين، ثم أخبر عن تلهّفهم على ما سلف منهم، وذلك حين لا ينفعهم الندم. فقال تعالى: {إذا دكت الأرض دكاً دكاً} أي دقت وكسرت مرة بعد مرة، وكسر كل شيء عليها من جبل وبناء وغيره، حتى لا يبقى على ظهرها شيء.


{وجاء ربك} اعلم أن هذه الآية من آيات الصفات التي سكت عنها وعن مثلها عامة السلف وبعض الخلف، فلم يتكلموا فيها وأجروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل، وقالوا يلزمنا الإيمان بها وأجراؤها على ظاهرها، وتأولها بعض المتأخرين، وغالب المتكلمين فقالوا ثبت بالدليل العقلي، أن الحركة على الله محال، فلا بد من تأويل الآية. فقيل في تأويلها وجاء أمر ربك بالمحاسبة والجزاء. وقيل جاء أمر ربك وقضاؤه. وقيل وجاء دلائل آيات ربك فجعل مجيئها مجيئاً له تفخيماً لتلك الآيات. {والملك صفاً صفاً} أي تنزل ملائكة كل سماء صفاً صفاً على حدة، فيصطفون صفاً بعد صف، محدقين بالجن والإنس، فيكونون سبع صفوف. {وجيء يومئذ} يعني يوم القيامة {بجهنم} قال ابن مسعود: في هذه الآية تقاد جهنم بسبعين ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك، لها تغيط وزفير حتى تنصب عن يسار العرش {يومئذ} يعني يوم يجاء بجهنم {يتذكر الإنسان} أي يتعظ الكافر ويتوب. {وأنى له الذكرى} يعني أنه يظهر التوبة، ومن أين له التوبة. {يقول يا ليتني قدمت لحياتي} أي قدمت الخير، والعمل الصالح لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها. {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد} أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ. {ولا يوثق وثاقه أحد} يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب، والوثاق هو الأسر في السلاسل، والأغلال، وقرئ لا يعذب، ولا يوثق بفتح الذال والثاء، ومعناه لا يعذب عذاب هذا الكافر أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، وهو أمية بن خلف، وذلك لشدة كفره وعتوه.
قوله عزّ وجلّ: {يا أيتها النفس المطمئنة} أي الثابتة على الإيمان، والإيقان، المصدقة بما قال الله تعالى، الموقنة التي قد أيقنت بالله تعالى، وبأن الله ربها، وخضعت لأمره، وطاعته، وقيل المطمئنة المؤمنة، الموقنة، وقيل هي الراضية بقضاء الله، وقيل هي الآمنة من عذاب الله، وقيل هي المطمئنة بذكر الله؛ قيل نزلت في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد بأُحُد، وقيل في حبيب بن عدي الأنصاري، وقيل في عثمان حين اشترى بئر رومة وسبلها وقيل في أبي بكر الصديق؛ والأصح أن الآية عامة في كل نفس مؤمنة مطمئنة، لأن هذه السورة مكية {ارجعي إلى ربك} أي إلى ما وعد ربك من الجزاء والثواب، قيل يقال لها ذلك عند خروجها من الدنيا. قال عبد الله بن عمر: إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عزّ وجلّ إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال اخرجي أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان، وربك عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك، إلا صلى عليها حتى يؤتى بها الرحمن جل جلاله، فتسجد له ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً، طوله وينبذ له فيه الروح والريحان، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن جعل له نور مثل الشمس في قبره، ويكن مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه، وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين، وأرسل قطعة من بجاد أي من كساء أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فيقال أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم، وربك عليك غضبان وقيل في معنى قوله: {ارجعي إلى ربك} أي إلى صاحبك وهو الجسد، وإنما يقال لا ذلك عند البعث فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى أجسادها، وهو قول عكرمة وعطاء والضحاك ورواية عن ابن عباس.

1 | 2 | 3